وبكى القمر
كان غارقا في همومه مستلقيا على مقعد يتوسط حديقة عامة سارحا في بحر الخيال وغابات الآمال عينان تتفحص المارة يمينا ويسارا... شاب في مقتبل العمر طويل القامة وسيم الوجه مبتسم للحياة سبق و حصل على وظيفة محترمة حالته متواضعة ولا ينقصه شيىء سوى بنت الحلال كما كانت تقول له أمه أما هو فلم يكن يفكر بهذا الموضوع لأنه كان يحس أنه لم يجد البنت المناسبة بعد التي يمكن أن تحبه أو قبل أن تحبه ويحبها تفهمه ويفهمها وهذه كانت قاعدته في إنتقاء البنت أي شريكة الحياة الأبدية لقد سمعته يقول أنه لا يهتم للجمال الخارجي إنما كل ما يهمه هو جمال الروح جمال القلب جمال الصدق والإخلاص ولكن من يتبع هذه القاعدة في أيامنا هذه أو ربما قد يكون شاذ عن قاعدة شباب اليوم ........وبنظرة واحدة من نظراته التي كان يتفحص بها المارة تجمد نظره كقطعة جليد على بنت شقراء بفستان وردي اللون تضع نظارات شمسية يداها تلمع بالذهب الذي كان يغطيها ربما تكون إبنة لأحد الميسورين أو الأغنياء في هذا البلد كانت تجلس على مقعد تحت شجرة كرز لا يبعد سوى 10 أمتار عن مقعده وهكذا إستطاع أن يتفحصها أكثر.... كان برفقتها شاب وبنت ولكن هل يمكن أن يكون خطيبها أو صديقها ؟
ولكن كيف سأعرف؟ ....لقد بقي ينتظرها حتى ملت من مجلسها وقفت ثم أشارت إلى أصدقائها بالذهاب فمشى الشاب على يمينها و الفتاة على يساره وإتجهوا إلى خارج الحديقة .....لحقت بهم ...ركبوا بسيارة جيب حديثة جلست في الخلف ورفيقتها بالقرب منها أما الشاب فقاد بهما السيارة .....عدت إلى البيت لم أنم طوال الليل فصورة تلك البنت لم تغب عن بالي ولكن لماذا يربطني بها الخيال ربما تكون مرتبطة و يكون ذالك الشاب خطيبها...ولكن لحظة لو كان كذالك لما جلست في الخلف كانت طبعا ستجلس بالقرب منه ومن تكون تلك الفتاة التي كانت ترافقهما ربما تكون أختها أو خطيبة ذالك الشاب وأن البنت الشقراء صديقتهم وحسب لأنه لو كانت أختها كانت سترتدي ثياب جديدة وأيضا كانت ستلمع بالمجوهرات كالتي تضعها الشقراء أمر غريب ........مرت الأيام زالت صورة تلك الشقراء من عقلي تبددت سيرتها ربما تكون كغيمة الصيف ولكن ما حولها من غيمة صيف إلى غيمة شتاء هو عندما إلتقيتها في نفس المكان الذي رأيتها فيه أول مرة ...كانت جالسة على نفس المقعد وإلى جانبها ذالك الشاب وتلك الفتاة لقد خفق لها قلبي خفقان لم يعرفه جسدي من قبل ....ولكن هل أدنو منها وأصارحها بما أحمله في قلبي وأفصح لها عن ما أخبئه في داخلي وأقول لها أنني معجب....وبينما كنت تائها في غابة الحب إختفت عن نظري دون أن أحس أو أدري...
لقد تغيرت نظرتي لها هذه المرة فهذه المرة الثانية التي ألتقيها وربما يكون لي نصيب التعارف بها في الأيام المقبلة .....ومنذ ذالك اليوم بدأت أنتظر في تلك الحديقة وفي نفس الوقت الذي رأيتها فيه حتى إستوقفني الإنتظار عصر يوم أحد دخلت إلى الحديقة فأضائتها بنورها ذبلت الورود من رائحة العطر الذي كان يفح منها كانت تلمع كالنجمة في ليل حالك كانت مغطاة بالذهب الذي لم تكن بحاجة إلي وضعه كي يزيدها جمالا كانت تخطف نظر المارة بأنوثيتها إنها فتاة جميلة حقا ....
جلست على مقعدها فوقف إلى جانبها ذالك الشاب وتلك الفتاة إن أمرها غريب ومحيير لماذا لم يفارقاها هذان الشخصان ما قصتهما .....بدأت أستعجل نفسي كي أتحضر لأقترب منها لأنني كنت أخشى أن لا أراها ثانية ولماذا لا أجرب حظي معها
كان قلبي يخفق وأحيانا كنت أحس أنه سيفلت مني كانت يداي مرتبكة و قدماي ترتجفان وفي لحظة حاسمة وقفت كرجل جريء وبصوت خافت قلت مرحبا ....نظرت إلي وقالت أهلا أما ذالك الشاب فإشتعلت عيناه غضبا وكان يهم لطردي إلا أن صوت الشقراء إستوقفه وقالت دعنا نرى ماذا يريد هذا الوسيم .....وسيم!!!! يا إلهي ....لم أعد أحس بخفقان قلبي ولا برجفت قدماي أحسست أنني قد تحولت إلى طائر يحلق فوق الغيوم لقد كانت كلماتها سحرا سحرني وجعل مني شخصا ذاب وتبخر من بحر الغرام ولم أستيقظ من غفوتي إلا على صدى صوتها الذي كان يقول تفضل أيها الشاب ماذا تريد .....عدت إلى أرض الحديقة بعد أن حلقت عاليا هناك فوق الغيوم في سماء الحب ولكن لحظة لم يحصل شيىء لماذا أبني في عقلي أوهاما ليس لها وجود ....تسلحت بالشجاعة ثانية وكأي شاب تفوه لساني بكلمتين وقلت معجب بك ....خجلت من كلامي إحمر وجهها
نظرت إلي وقالت لي بهذه السرعة!!!؟
نعم يا ...؟
إسمي قمر ....
نعم يا آنسة قمر ولكنني كنت قد رأيتك عدة مرات هنا
كنت تراقبني إذا ؟؟
لا ليس هذا ما حصل ولكنها كانت صدفة
ولماذا لا تجلس أوأنك خائف مني لا عليك لن آكلك
نعم حسنا ...لقد جلست قربها وبدأت بسرد قصتي لها كنت أحس أنني موجود وغير موجود مصدوم وغير مصدوم لم أكن أدري ما يحصل لي...هل هو الإعجاب يا ترى؟
إسمي نوار وأعمل محاسبا في شركة ضخمة........ أبحث عن شريكة حياتي ولا أدري إن كنت قد وجدتها ..
إسمك جميل يا نوار أنا بنت وحيدة لدى أهلي ...أبي مسؤول في الدولة أحب أن ألتقي بفارس أحلامي ولكن ملوحة الحياة لم تترك في قلبي فرحة لقد تقدم مني الكثيرون غيرك فمنهم من كان يطمع بالمال ومنهم من لم أعجبه وغيرهم.....
إن من تقدم بداعي الطمع بالمال فهذا واضح ولكن لم أفهم لماذا رفضت الباقين .....
للحقيقة هم الذين رفضوني إسمع يا نوار في حياتي غموض كثير ويجب أن تفهمني جيدا ولا أريدك أن تتسرع.... أما الآن فتشرفت بمعرفتك ويجب علي العودة إلى المنزل فوالداي قد يكونان بإنتظاري وهذا رقم هاتفي يمكنك ان تتصل بي حتى ألاقيك هنا ساعة يكون لديك وقت فراغ نتعرف أكثر ونرسم طريق مستقبلنا ......
وبإبتسامة واحدة من شفتاها جعلتني أتعلق بها ودعتني تلك الشقراء بعد أن زرعت في قلبي كلمة حب مع غموض ربما أكون به موهوم وبعد:
عدت إلى المنزل والفرحة لم تسعني لقد كان من أجمل أيام حياتي طلبت من أمي أن تصفعني كفا فلم أكن أصدق أنني تعرفت على تلك الشقراء أقصد على قمر بهذه السهولة
أخبرني يا بني لماذا طلبت مني صفعك كفا
كي أصدق انني أعيش في الواقع ولا أحلم لقد وجدت بنت الحلال
حقا ألف مبروك لك ياحبيب أمك......
إنها جميلة وجذابة يا أمي شعرها أشقر وبشرتها بيضاء وإبنة مسؤول كبير في البلد
الله يوفقكم يا إبني ويعطيكم ياللي فيه النصيب..
لم أنم تلك الليلة كنت حاملا رقم هاتفها بين يدي وعقلي مشغول بعقلها وروحي تسافر إليها عن طريق الخيال تقبلها وتتلمسها ثم تعود إلي حاملة معها رسالة منها......تقول فيها هل غفوت أيها الوسيم أو أنك مازلت مسحورا بجمالي نوما هنيئا ولقاء قريب تصبح على ألف خير يا عمري....
كنا نلتقي عدة مرات أسبوعيا ولكننا لم نكن نتقابل في غير الحديقة فهذا كان طلبها كنت أحس أنها تحاول إخباري بشيىء ما ولكنها كانت تسكت فجأة وتتكتم عن الموضوع سألتها عن الشاب والفتاة اللذان ما فارقاها وحتى خلال لقائاتي معها ...
إن والدي يخاف علي كثيرا فوظف نادر وسلمى كي يكونان في خدمتي إذا ما إحتجت إلى مساعدة ....
نظرت إليها بتعجب مساعدة أي مساعدة!!!
لا عليك كل شي بوقتو حلو....
لقد بدأت بإكتشاف بعض الغموض في شخصيتها ولكنني متأكد أنه يوجد اشياء أخرى ربما ستكشفها الأيام القادمة
كما تعلمون أن أيام الحب تمر بسرعة وهكذا كانت أيام نوار وقمر تمر... وأثناء غروب شمس نهار أحد كان نوار يظن أنه الوقت المناسب كي يحسم علاقته ب قمر لأنه لم يعد يحتمل أن تبقى مقابلتهم محدودة وخاصة بوجود نادر وسلمى اللذان يعملان كمساعدان لها فكان يحلم أن يخرج منفرد بها يكلمها براحة أكبر دون قيود أو عيون مراقبة
قمر .... هل تحبيني
نظرت إلي بإبتسامة صغيرة وقالت نعم وأنت؟
أنا لا أحبك فقط إنما أموت بك بل وأعشقك أيضا لقد حلمت ليلة أمس أننا نعيش في بيت صغير فوق تلة تطل على البحر وكنا سجناء فيه انا وأنت إلى الأبد ....
وأنا حلمت أيضا أنني على شرفة قلعة وجئت أنت على فرس أبيض كي تأخذني معك في رحلة أبدية....
قمر.... لقد مضى أكثر من ثلاثة أشهر على لقائنا الأول وللحقيقة أريد أن أرتبط بك ....إذا لم يكن لديك مانع؟
ولكنك تتسرع كثيرا
من أنا !!!! أبدا لا أتسرع إنني أجد أنه هذا هو الوقت المناسب وهذا الشيىء الذي تطلبه البنت في أغلب الأحيان فهي تخاف من كلام الناس عندما تقابل شاب لعدة مرات .....
معك حق ولكنني لست كباقي البنات
إن أمرك غريب يا قمر أريد أن أعرف باقي الغموض في أعماقك أخبريني خففي عنك يا حبيبتي
نوار أنت لست أول شاب يتقدم للإرتباط بي ولكنك أنت أول شاب أمضي معه مدة طويلة فكل الشباب الذين سبقوك كانت أطول مدة أمضيتها معهم هي ساعتين فمن بعد ان يتعرفوا علي جيدا يقرروا ان يتركونني أما أنت فلا أدري مالذي يجعلك مصرا على الإرتباط بي و كما قلت لك يجب أن تعرف كل شيىء عني ومن ثم تقرر أرجوك لا تتسرع فمستقبل الشباب ليس بالشيىء السهل وإنتقاء البنت المناسبة من أصعب الأمور أرجوك يا نوار....
إنك تضحكينني حقا مالذي تقولينه لقد فكرت جيدا ولو أنني لست مقتنعا بما أقوله لما طلبت منك أن نرتبط والآن أريد أن أعرف كل الغموض وما هوسبب تكرارك لكلمة تعرف علي جيدا ولا تتسرع
..نظرت إلي إبتسمت بغصة ألم ولكن آن للغموض أن يظهر ....سأساعدك يا نوار نزعت نظاراتها السوداء وضعت وجهها أمام وجهي وقالت بصوت مغمس لحزن عميق أنظر يا نوار حدق بي حدق في عيناي أنظر جيدا ولا تحجب نظرك إلا من بعد ان تكتشف سر الغموض كنت أنظر في عينيها ولكن صدمة كلامها كان مسيطرا كليا على عقلي ولم أكن أفهم ما تقصده
وفي لحظة حقيقة أثلج قلبي لإكتشافه سر غموضها ضحكت بجنون لم أقبل الحقيقة التي كنت متشوق لسماعها ولكن كيف أسهى على أمركهذا مكفوفة !!!!
نعم أنا مكفوفة ......
توقفت نظرات العتاب أجهش نادر وسلمى بالبكاء
أما العاشق الولهان وقف من مجلسه رجع إلى الخلف ثلاث أو أربع خطوات بطيئة وبلمح البصر أدار لها ظهره وأخذ يركض إلى خارج الحديقة
أما هي فما كان موقفها يا ترى... هزت برأسها وبدأت بالضحك لم تحزن لأنها كانت تعرف النهاية مسبقا وقد عاشت مثل هذه القصة سابقا ولكنها تأسرت من داخلها وندمت لأنها أخفت عليه هذا الموضوع طيلة هذه المدة ولكن لا عتب عليها فبنت في مثل وضعها لا تلام على فعلتها ......لقد رحل فارس الأحلام وإنتهت قصة حب سجين البيت فوق تلة مطلة على البحر... ودون التاريخ قصة حزينة ومؤلمة في سجلها الذي لم يسجل يوم فرح بعد تلك الحادثة ......
ولكن لحظة هناك شخص قادم بإتجاهها أحست بقدومه فوقفت من مقعدها وفتحت ذراعاها وصل إليها قدم لها باقة الورد التي ذهب لشرائها ضمها في صدره أجلستهم الفرحة التي لم تسعهم
نوار لماذا عدت؟
وكيف لا أعود إلى أحضان من أحبها قلبي لا أخفي عليكي لقد صدمت لما إكتشفته من غموض ولكنني لم أخالف القاعدة التي وضعتها منذ بداية حياتي لاأهتم للجمال الخارجي إن كل ما يهمني هو جمال الروح جمال القلب والصدق والإخلاص....
إنك شخص رائع يا نوار ولكن هل أنت مقتنع بما تفعله ....
نعم مقتنع بل وأكثر من ذالك ومصمم أيضا أنت لست عمياء يا قمر ليس من يفقد بصره يصبح أعمى هناك الكثيرون من الناس الذين يملكون نعمة البصر ولكن في الحقيقة هم مكفوفين المكفوف ليس من يفقد بصره المكفوف هو الذي يرى ولا يهتم إن المهم هو انك معي يا قمر وسأكون معك في كل الظروف وستشهد الأيام على كلامي هذا وها أنا أعاهدك أمام الله تعالى أن أبقى معك مهما كانت الظروف.......
لقد كنت في السابعة من عمري عندما فقدت بصري وكان ذالك بسبب حادث سيارة كنت أتمنى لو أنني لم أبصر النور يوما كي لا أتعلق بجمال الحياة وهواها ولكن هذا ما حصل ....
لابأس يا قمر سأكون بصرك قبل أن أكون حبيبك أتذكرين الحلم الذي أخبرتك إياه سيصبح حقيقة وسنصبح سجناء بيت واحد يطل على البحر ونمضي فيه بقية عمرنا ....
كان يخفف عنها آلامها بينما كانت هي غارقة في صدمة كانت أكبر من صدمتها يوم فقدت بصرها
نظرت إليه طويلا فكانت تحس أنها تراه في بصيرتها رفعت رأسها بإتجاه السماء شكرت الله تعالى تنهدت قليلا ثم وضعت رأسها في حضن حبيبها وبدأت تذرف دموع الفرح وبكى القمر.....
تحياتي للجميع