ليس من شك أن الأسرة لها الأثر الذاتي والتكوين النفسي في تقويم السلوك الفردي، وبعث الحياة، والطمأنينة في نفس الطفل، فمنها يتعلم اللغة ويكتسب بعض القيم، والاتجاهات، وقد ساهمت الأسرة بطريق مباشر في بناء الحضارة الإنسانية، وإقامة العلاقات التعاونية بين الناس، ولها يرجع الفضل في تعلّم الإنسان لأصول الاجتماع، وقواعد الآداب والأخلاق، كما أنها السبب في حفظ كثير من الحِرف والصناعات التي توارثها الأبناء عن آبائهم..
ومن الغريب أن الجمهورية التي نادى بها أفلاطون، والتي تمجّد الدولة، وتضعها في المنزلة الأولى قد تنكرت للأسرة، وأدت إلى الاعتقاد بأنها عقبة في سبيل الإخلاص والولاء للدولة، فليس المنزل - مع ما له من القيمة العظمى لدينا - سوى لعنة وشر في نظر أفلاطون، وإذا كان من بين أمثالنا أن بيت الرجل هو حصنه الأمين، فإن أفلاطون ينادي: اهدموا هذه الجدران القائمة فإنها لا تحتضن إلا إحساساً محدوداً بالحياة المنزلية